الإنسـان. . ذلك الكائن الواعي بأنه لاواعي

 

-     من أكثر الأمور اللي بيتم التركيز عليها في التربية وعلم النفس هي فكرة إن "الإنسـان كائن غير واعي" على الحقيقة، على الأقل حتى يتوقف.

-     الإنسـان يتشكل بما أودعه الله فيه، شخصيته المولود بيها، كل إنسـان مولود بيلت إن فيه شوية حاجات مختلفة عن الشخص التاني، الاختبارات في اللعبة مختلفة، وكل اختبار بيتم تحديده على حسب أنت واقف فين، وبمرور الأيام الإنسـان بيبدأ يتشكل، بيتشكل في البيئة اللي بيعيش فيها، البيئة دي قد تكون الشيء اللي هيساعده على استخراج مكنونات نفسه الطيبة، أو هتساعده على إنه يخرج كل الشر، هتساعده على إنه يتحسن، أو هتخليه يفضل طول حياته محاط بالأوهام اللي حطها فيه الآباء.

-     الإنسـان في أول مرة يتعلم فيها المشي بيكون مختلف تمامًا بعد كام سنة، المشي اللي كان في البداية عملية صعبة ومعقدة ومحتاجة مجهود وضبط زوايا، ورفع الرجل بطريقة معينة وإنزالها بطريقة معينة، والتوقيت المهم جدًا في العملية، كل ده بيختفي بعد فترة، المجهود اللي كان بيحصل ده كله بيختفي بعد التعلم، وبيبدأ الفعل يتحول إلى شيء روتيني عادي لا يحسب في إنه عمل شيء، لو أصيب الإنسـان بجلطة أو ما شابه ممكن يقوم بوضع ميقدرش فيه على الحركة ومن هنا بتبدأ رحلة تأهيله للحركة مرة تانية، كأنه طفل، بيعيد المشاهد من الأول.

-     البيئة بتكون في الإنسـان حاجات كتير، بيظنها في كثير من الأحيـان هي الحقيقة والصح، أبسط الأشياء دي الأكل، طريقة الإنسـان في الأكل بتتحدد بناء على البيئة اللي هو فيها، اللي بيتولد في بيئة بتاكل التعابين والفران لا يرى غضاضة في أكلهم، وبيستمتع بيهم، ولا يدرك إلا بعد فترة إن ده مش العادي، وحتى العادي ده تم تحديده بإن الأغلبية لا تفعله، ولو كانت الأغلبية بتاكل الفئران كانت هتبقى في الغالب حاجة عادية، واللي بياكل أمعاء الحيوانات ده اتحددله بالبيئة، واللي بياكل حيوانات أو طيور محشية حاجات بيبقى عمل ده بالبيئة، ولو تخيلت إنك بتحشي إنسـان هتقرف، ولو تخيلت إنك بتاكل حتة لحمة من إنسـان هتقرف، لكـن الإنسان الأول أكل لحوم الإنسـان بشكل عادي جدًا، ومع ذلك أثر البيئة مش قهري، بس لو قدرت تفلت هتفلت.

-     علم النفس، وخصوصًا الفرويدي في كلامنا، بيحاول يخليك تدرك إن جزء كبير جدًا من الأفعال والأقول اللي أنت بتعملها بترجع لحاجات حصلت لك، في السنين الأولى، وأنت حتى ممكن تكون مش فاكرها، أو بالأحرى هتكون مش فاكرها، ولكـن هي كان لها غاية الأثر في الوضع اللي أنت وصلتله، اختياراتك، تفكيرك، طموحاتك، أفعالك وتصرفاتك ربما تكون مش أنت إنما اللي تم تحديده لك بشكل ما.

-     أفكار زي ما قبل الشعور، واللاشعور هي أفكار مرعبة، بتقول إن أنت مش أنت، وإن اللي أنت بتعمله ده مش أنت، ومن هنا بييجي علاج فرويد، العلاج بالكلام، أو تنظيف المدخنة، أو التداعي الحر. .

-     العلاج بيكون بالتأكيد أولًا على إنك لازم تدرك كونك شخص غير واعي، لا تتوقف في الغالب مع ما تفعله، قد تنهر شخص على فعل شيء لا تعرف أبدًا أنت بتنهره على إيه، قد يكون رد فعلك مبالغ فيه في حين إن الفعل نفسه بسيط، التوقف هنا جزء من العلاج، جزء من العلاج بيتشكل بإدراكك إنك أنت مش أنت.

-     في التربية بتحكي الأم والمعالجة النفسية في نفس الوقت إنها نهرت بنتها على عدم فعلها لشيء ما، في حين إنها معرفتش هي عملت ده ليه، ولما فكرت لقت إنها عملت ده علشـان اتعمل فيها ده، أو عكسه بشكل ما، وبالتالي رد فعلها مكنش رد فعل على سلوك البنت بقدر ما كان رد فعل على اللي جواها، أحيانًا بنعيش حياتنا كلها محملين بأشياء إحنا مش مدركينها، ولكننا بنتصرف على أساسها، الموقف حصل ومات، والعظة والعبرة فضلت ساكنة جوانا، ومشينا بيها في باقي الحياة، فاكرين إننا إحنا اللي بنقرر.

-     أساس الحل هو التوقف، والتوقف نفسه فعل يدل على إنك بدأت تكون إنسـان واعي ومدرك للي بيحصل، واعي وبتسأل هو ليه ده حصل؟ وليه أنا عملت كده؟ وهل ده فعلًا اللي أنا عاوزه؟ وهل ده فعلًا يوصل للي المفروض نوصله؟

-     التوقف ده بيسمحلك برؤية عالم من التفاصيل اللي عمرك ما كنت هتدركها وأنت ماشي بتلف في التراك بلا أدنى توقف للنظر، التوقف بيخليك تؤثر الصمت في الأشياء غير المفهومة، وتبدأ تبص وتسأل، ومع كل يوم بيعدي ومع تراكم الأسئلة بتلاقي إن الصمت قيمة في حد ذاته، وساعتها تعرف في كل مرة تخرج فعل شبه مضبوط، وشبه محمل بقدر من الوعي، وحتى لو مكنش فيه الوعي الكافي إلا إن قدرتك على تحسينه وتغييره بتتنمى وتكون أفضل.

-     قدر من التوقف بيخلي الحياة لها معنى مختلف، أو زي ما بيقول: بدقق أكتر، وأفكر، فعايش أبطأ.

-     لكـن البطء ده قد يكون هو أفضل شيء يتعمل، في مديح البطء اللي قد يكون سبيلك لمواجهة فساد نفسك، والعالم.

-         التعشيق: (مراقبة النفس مطلوب يوميًا)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كتيب "أبو سلمى والزواج"

بين المدح والذم يا قلبي لا تحزن - (الخزي والخوف من أن تُرى على الحقيقة)

رحلة معرفة النفس - ما ينبغي أن تضعه نصب عينيك قبل الدخول