لوكا وعلم النفس
-
ختم اليوم بشيء لطيف، طول اليوم مريض، ملازم الفراش،
لكـن ربنا شاء إن اليوم يُختم بلوكا، وده شيء لطيف جدًا.
-
الفيلم جميل، لطيف، هادئ، معبر، مرتبط بعلم النفس بشكل
كبير جدًا، وده يظهر لأي حد درس أي شيء متعلق بده، لكـن على مستوى القصة نفسها،
فالقصة كذلك جيدة، وعلشـان كده هو مناسب للجميع، صغار وكبار، متخصصين وغير، ويمكن
علشـان كده الفيلم قدر يحقق الانتشار ده، وده جزء من بهاء الفن عمومًا.
من أبرز الموضوعات اللي في الفيلم
الحديث عن الناقد الداخلي. .
يبدو بشكل ما إن الإنسـان لا يخرج إلى
الدنيا بكل هذا الكم من المخاوف، ولكـن بعد السير في الدنيا، والمرور بتجربة
وإتنين، الناس كلها بتبدأ تنفخ في الزبادي، مع معرفتهم التامة إنه زبادي، بيتكون
عند الإنسـان ناقد داخلي شرير،وقاتل، يظهر في تعميمات مريبة، يظهر في نقد كل شيء،
يظهر في إخبارك إنك غير كافي، وغير كفء، يظهر ويكبر ويستفحل مع كل تجربة سلبية،
وبالتالي بتبقى كل محاولة جديدة هي عبارة عن أزمة مطلوب تتعامل أنت معاها.
الناقد الداخلي نقدر نقول إنه متخصص
الشعور بالذنب، متخصص جلد الذات، متخصص إحساس الرفض والخوف من الفشل، يتكون في
الطفولة، من الوالدين ابتداءً، ومن العيلة الكبيرة، ومن المدرسة بعدين، فكرة إنك
"هتفضل طول عمرك فاشل"، وفكرة "أنت عمرك ما هتفلح في حاجة أبدًا"،
وغيرها، بتكون الناقد، وتخليه يستفحل، وتعيش عمرك كله تحارب ضده، وبعض الناس
بتستلم.
مع الناقد الداخلي، صورة الإنسـان
الذاتية بتكون مشوشة ومشوهة،
ممكن الناقد الداخلي يظهر في صورة
السعي نحو الكمال، لو السعي نحو الكمال ده محطوط كغاية لا يمكن الوصول لها، فده
شيء جيد، ولا مشكلة فيه، أما إنه يكون رغبة في إنك تكون مثالي، أو حياتك تكون
مثالية، فده الخطر كله، زي ما بيقول الكاتب: لو كنت لأنتظر الكمال، ما فرغت من
كتابي هذا إلى الأبد.
فكرة إسكات برونو، أو قتل برونو، في
الفيلم، ومحاولات إسكاته المستمرة، فكرة عبقرية، مقاومة، وسحرية في إسكات الناقد،
وإعلامه إنه كلامه كذب، وإن العمر له بقية للتغيير.
الحاجة التانية الجميلة في الفيلم، هو
الحديث عن الشغف الشخصي، والأهداف المختلفة من الحياة، أول ما شوفت مشاهد أم لوكا
معاه، جات في بالي مشاهد لينهان، مع والدتها وهي بتقول:
"" لقد رأتني أمي كزهرة
تيوليب و حاولت باستماتة ان تحولني الى وردة. لقد ظنت أني سأكون أسعد كوردة، و
لكني لم أمتلك ما ينبغي لأصبح وردة، لا في حينها ولا حتى الآن.
صراع الوردة/زهرة التيوليب تحول الى
جزء مما اخبر به عملائي عن العلاج الجدلي السلوكي.
هذا ما أقوله لهم:
ان كنتي زهرة تيوليب فلا تحاولي ان
تصبحي وردة، بل ابحثي عن حديقة تيوليب"
محاولات الأم المستميتة، المحبة،
لإنقاذ لوكا، كانت هي نفسها عين ما دفعه إلى نقيد ما أرادت، الإنسـان مش نازل ورقة
بيضاء وبس، الإنسـان مزروع فيه حاجات، مختلفة من إنسـان للتاني، حاجة كده أشبه
بليه إنت بتفضل المالح، وأنا بفضل اللاذع، وفلان بيفضل الحارق، وفلان بيفضل
المسكر، محاولات تحويل مسار المزروع بتعيش الإنسـان في جحيم الوردة وزهرة التيوليب.
هامش: يبدو إن الجدة كان عندها بعد نظر
كبير، لإنها عرفت ما ستؤول إليه الأمور من بدري، قد يكون ده فطري، وقد يكون مكتسب
من تجربتها الذاتية.
مفهوم آخر من أهم المفاهيم، والمتعلق
بالمفهوم الأول والثاني، هو مفهوم: القبول، فكرة إن الإنسـان مقبول، في المطلق،
فكرة مهمة بنوصلها في النهاية، بنوصلها مع لوكا، وصديقه، وبنوصلها مع لوكا،
ووالده، ووالدته، وحتى بنوصلها من قبول الناس للوحش في نهاية المطاف، مفهوم القبول
من أهم المفاهيم الغائبة أو الغير موجودة عندنا تمامًا.
مفهوم اللذة والمعاناة، في نهاية
المطاف، لا يمكن تجنب الألم في الحياة، كل الطرق هيكون فيها قدر من التعب، وده
اللي بنشوفه مع لوكا، وصديقه في النهاية، برغم إن النهاية تبدو سعيدة، لكـنها مش
سعيدة، أو مش سعيدة فقط، هي سعيدة وحزينة سوا، ودي عبقرية النهاية، حاجة أشبه
بإنسايد أوت كده، تداخلات المشاعر مع بعضها.
واحدة من أهم أفكار الفيلم، الحديث عن
التربية، في مشهد لطيف، الأم بتزعق في الطفل، وبعدين بتخرج، وتقوله، يبص في عينيها،
وتسأله: أنت عارف إني بحبك صح؟ فيجاوب إنه عارف، يمكن الفكرة البسيطة دي من أهم
الحاجات الغايبة عندنا، أحيانًا، أو ربما كثيرًا ما تكون الأم على صواب، لكـن رفض
الطفل، أو رفض فكرته، اللي هتوصله على إنها رفض له هو شيء لابد يُتجنب، وده حصل
بكلمات بسيطة جدًا، كذلك حصل فيما بعد في القبول.
كذلك الحديث عن فكرة الصداقة والعزلة،
العزلة مش أفضل، ولا أنضج اختيار في المطلق، لوكا شاف الحياة بعد الارتباط
بألبيرتو، يعتبر حياته بدأت تتسمى حياة، لما لقى جزء من الشغف المزروع جواه مع
صديقه، وبدأت محاولاتهم المستمرة في الفيزبا، ولما اختلف لوكا مع ألبيرتو، ومن غيظ
ألبيرتو ارتكب خطأ كبير، لوكا ارتكب خطأ أكبر، لكـن مفضلش واقف في مكانه، إنما راح
لصديقه، علشـان يحل الأمر معاه. .
أجمل ما في مشهد اللقاء ما بينهم، هو
إحساس ألبيرتو بالرفض، بعد ترك أبوه له، يتحمل مسئوليته، فيبدأ يحاول يسجل الأيام
اللي أبوه فيها مش موجود، ثم يتوقف لإنه عرف إنه مش راجع وأصبح يائس، فكرة الهجر
في المطلق بتظهر هنا بشدة، وفكرة إن كل إنسـان جواه شيء مرعب، محبوس في اللاشعور. .
مشهد المواجهة بيين أن ألبيرتو مكنش
عاوز صديقه يمشي، والسبب الأساسي في ده مش أنانيته، ولا كرهه للبنت، إنما خوفه
الأساسي، كان من الفراق والهجر، كان خوف المجهول، والعودة للوحدة والانعزال، كان
كل مرة بيقرب فيها لوكا من البنت، الكامن جواه بيظهر، ويتعصب، وبيبان هنا أهمية
العودة للماضي في المطلق، لاستكشاف إزاي النفس وصلت للي وصلتله دلوقتي. . وإزاي إن
لا يمكن يكون في حل بدون الالتفات لده.
الفيلم لسه فيه الكثير، والكثير، لكـن
دي أبرز الحاجات المهمة في الفيلم ده على المستوى النفسي.

تعليقات
إرسال تعليق